khelifa salah eddine
عدد المساهمات : 21 تاريخ التسجيل : 05/09/2011 الموقع : www.onea_algerie.com
| موضوع: سؤال ماجستير جنائي مع الإجابة النموذجية الجمعة سبتمبر 09, 2011 1:28 am | |
| السؤال : إنقسم الفقه حول حالة الضرورة منهم من يراها أنها من موانع المسؤولية ومنهم من يراها انها سبب للإباحة حـــــــــلل وناقـــــش ؟
مقدمة حالة الضرورة ، في نشأتها الأساسية ، وضع حياتي قديم في البشرية ، قدم الإنسان والتاريخ ، برزت معهما ، وترافقت وإياهما ، ظاهرة ونتيجة لغريزة البقاء، في الحفاظ على النفس وعلى الملك وعلى الغير . وقد تعرّضت جميع الأعراف والشرائع والأنظمة الجزائية القديمة إلى حالة الضرورة ، فنصّت عليها ، كما أن التشريعات المعاصرة احتوتها صراحة . فقد نص المشرع السوري على حالة الضرورة في المادة (228) من قانون العقوبات والتي تنص : ( لا يعاقب الفاعل عن فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به عن نفسه أو عن غيره أو عن ملكه أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً لم يتسبب هو فيه قصداً ، شرط أن يكون الفعل متناسباً والخطر ) . و نصت المادة (229 ) على أنه: ( لايعتبر في حالة ضرورة من يتوجب عليه قانوناً أن يتعرض للخطر) . ولدراسة حالة الضرورة لا بد لنا أن نبحث في ماهيتها وشروطها وآثارها ثم نتعرض لبعض الجوانب التطبيقية والعملية لحالة الضرورة ، وذلك من خلال المباحث التالية : المبحث الأول: ماهية حالة الضرورة للتعرف على ماهية حالة الضرورة ، لا بد لنا من أن نعرفها ونسلط الضوء عليها في ظل التشريعات القديمة والشريعة الإسلامية ، والتمييز بينها وبين الإكراه المعنوي وذلك وفق الآتي: أولاً : تعريف حالة الضرورة حالة الضرورة هي مجموعة من الظروف تهدد شخصاً بالخطر وتوحي إليه بطريق الخلاص منه بارتكاب فعل جرمي معين . ويعرفها البعض بأنها ظرف أو موقف يحيط بالإنسان ويجد فيه نفسه أو غيره مهدداً بخطر جسيم يوشك أن يقع ولا سبيل أمامه للخلاص منه إلاّ بارتكاب جريمة يطلق عليها ( جريمة الضرورة ) . ويعرفها البعض الآخر بأنها ظرف خارجي ينطوي على خطر جسيم ومحدق ، يحيط بشخص فيرغمه على تضحية حق لآخر ، وقاية لنفسه أو لماله أو لنفس غيره أو ماله من غير أن يتسبب هو قصداً بحلول الخطر ، ودون أن تكون لديه القدرة على منعه بطريقة أخرى . ومثال حالة الضرورة ، أن تشرف سفينة على الغرق ، فيقدر القطان ضرورة تخفيف حمولتها ، فيلقون البضائع الموجودة عليها في الماء ، للمحافظة على توازنها ، أو يخرج شخص من مسرح مسرعاً على أثر حريق وقع في المسرح فيصطدم بطفل ويصيبه بكسور أو جروح ، وكذلك من يخرج من منزله عارياً في الطريق العام بسبب زلازل أو حريق نشب أثناء وجوده في الحمّام ، أو من يسرق رغيف خبز بعد أن يشرف على الهلاك ويصبح موته وشيكاً ، أو من يسرق قطعة خشب لاتقاء برد شديد سيقوده إلى الهلاك ، أو أن يقضي الطبيب على حياة الجنين في ولادة عسيرة لإنقاذ حياة الأم ، أو يستولي شخص على مال الغير لاستعماله في إطفاء الحريق ... ثانياً : حالة الضرورة في التشريعات القديمة قد تكون الصين أول بلد كرّس نظرية ممارسة حق غير مشروع أصلاً في مجالات الاضطرار إلى ذلك، خاصة لجهة جرائم السرقة والسلب المرتكبة في حالات المجاعة والقحط . ثم وردت حالة الضرورة في الهند من خلال شريعة ( مانو ) والتي تعود إلى أكثر من اثني عشر قرناً قبل الميلاد حيث تضمنت نصوصاً ومقاطع تسمح باقتراف أفعال ممنوعة ومحظورة تحت وطأة الضرورة الحالّة والمستعجلة ، شرط عدم تجاوز حدود مقتضياتها الممكنة . فقد أباح مانو للعسكريين – وهم طبقة مميزة – أن يمارسوا إحدى المهن المحرمة على طبقاتهم ( في نظام اجتماعي يقوم على نظام الطبقات ) إذا وجدوا في حالة بؤس . كما أباح لكل من أصبح في حالة خطر من الجوع أن يأكلوا لحوم البقر والكلاب لضرورة البقاء أحياء مع أن أكل اللحم محرم . أما المشرع الروماني في هذا المجال فقد حقق تقدماً كبيراً ، إذ أقام القواعد الأساسية التي لا تزال تصلح دعامة علمية ، إن لم تكن قانونية ، لتأييد حالة الضرورة . لكن الرومان كانوا عمليين في حالة الضرورة ، إذ أنهم بحثوا المبادئ النظرية في ضوء المسائل التطبيقية على سبيل المثال ، وأشهرهم في هذا المضمار المحامي شيشرون الذي عدّد في كتابه عن الجمهورية حالتين معروفتين من حالات الضرورة : حالة الغرق : إذ أجاز حق الشخص القوي في قذف زميله الضعيف في البحر ليستولي منه على اللوح الخشبي لاتخاذه وسيلة للنجاة من الموت إذا كان ذلك محتماً ولا يتحمل اللوح أكثر من إنسان واحد . حالة المعركة : إذ أقر أيضاً للجندي في ساحة الوغى حق الاستيلاء على جواد رفيقه لينجو بواسطته من الحصار أو القتل أو ليقوم بعمل حربي معين . ثالثاً : حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية إن حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية تعطي الحق لكل إنسان في التهرب من الخطر الذي قد يلحق به بشرط أن لا يسيء إلى غيره بإنزال الضرر فيه ، وذلك من باب التيسير والتوسعة على عباد الله ، وقد استند الفقهاء في ذلك إلى قوله تعالى : [ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله ، فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، فلا إثم عليه ] . وقوله تعالى : [ وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم ، إلاّ ما اضطررتم إليه ] . وقوله (ص) : ( عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه ) . وقد وضع الفقهاء استناداً إلى هذه الآيات والأحاديث الشريفة قاعدة : ( الضرورات تبيح المحظورات ) . فإذا وجد الإنسان نفسه في حالة تحتم عليه ارتكاب فعل لم يكن يريده أصلاً، إنما اضطر إليه بسبب ظرف لا يستطيع دفعه إلاّ بالجريمة ، سواءً كان مصدر هذا الظرف من فعل الإنسان أو الحيوان أو الطبيعة ، فلا لوم عليه لأن الضرورات تبيح ارتكاب المحرمات والمحظورات ، حتى لو كان في ذلك ما يخالف شرع الله نفسه ، كرفع فريضة الصيام عن المريض والمسافر ، والجائع الذي يندفع بتأثير الجوع إلى اغتصاب ما يسد حاجته من الطعام ، ومن يشرب الخمر لدفع ضرر العطش المهلك أو المرض المستعصي على جميع الأدوية . ومن القضايا المشهورة في هذا المجال قضية امرأة عطشت فاستسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلاّ أن تمكنه من نفسها ففعلت ، فلما رفع أمرها إلى عمر استشارعلياً رضي الله عنهما ، فأفتى بأنها مضطرة ولا عقاب عليها لقوله تعالى : [ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ] فلم يعاقبها عمر . المبحث الثاني : شروط حالة الضرورة لحالة الضرورة شروط لا بد من توافرها ، ليمكن اعتبارها قوة قاهرة ، والاعتداد بها كمانع من موانع المسؤولية ، وهذه الشروط هي التالية : أولاً – وجود خطر جسيم على النفس أو المال : فالخطر الجسيم هو الذي من شأنه أن يحدث ضرر لا يمكن جبره ، أو لا يجبر إلاّ بتضحيات كبيرة . ومن الفقهاء من يعرف الخطر الجسيم بأنه الخطر الذي يثير لدى الإنسان الخشية من انهيار كيانه سواءً أكان هذا الكيان مادياً أو أدبياً . ويشترط لتحقيق حالة الضرورة ، وجود خطر في مواجهة من يتعرض له وهذا الخطر لا بد أن يكون جسيماً ، كالموت أو الجرح البليغ أو العاهة الدائمة ، أما الخطر البسيط فلا يشكل حالة ضرورة ، كالإصابات البسيطة أو الكدمات أو الجروح العادية التي تشفى بسرعة ، دون أن تخلف أضراراً كبيرة . ومعيار جسامة الخطر ، هو عدم قابلية الضرر الناجم عنه للإصلاح ، أما إذا كان من الممكن إصلاح الضرر فالخطر لا يعد جسيماً . ويعتبر الخطر جسيماً إذا تساوى اصلاحه من عدم اصلاحه. وتقدير جسامة الخطر أمر يتعلق بالوقائع يقدره قاضي الموضوع في كل حالة على حدة ، وهو يستند في تقديره إلى معيار مختلط موضوعي وشخصي في نفس الوقت ، وهو معيار الشخص العادي الذي يوجد في نفس ظروف المتهم عند ارتكاب الجريمة تحت ضغط الضرورة . كما يكفي لتوافر حالة الضرورة وجود الخطر الجسيم سواء كان حقيقاً أم وهمياً وهو ما يستفاد من عموم لفظ( الخطر) الذي ورد في نص المادتين 228و229 عقوبات سوري. والاعتداد بالخطر الوهمي في مجال حالة الضرورة يفسره أن أثر هذا الخطر على حرية الأختيار لا يختلف في درجته عن أثر الخطر الحقيقي على تلك الحرية. ومن أمثلة حالة الضرورة التي تقوم على الخطر الوهمي من يشاهد دخاناً ينبعث من نافذة أحد المنازل فيعتقد أن حريقاً قد نشب فيسرع بكسر باب المنزل أو باب منزل مجاور لانقاذ من بداخله من السكان ثم يتبين بعد ذلك أن الدخان كان ينبعث من شواء. أو من يقتل كلب يعوي وراءه معتقداً أنه مصاب بداء الكلب ثم يتبين أنه غير مصاب. فمن يخرج من منزله عارياً في الطريق العام لينقذ نفسه من خطر يهدد حياته بسبب نشوب حريق أو زلازل أثناء وجوده في الحمّام لا يعاقب عن جريمة التعرض للآداب العامة . ومن ينحرف بسيارته فيصطدم بسيارة أخرى أو يهدم جدار ليتفادى قتل طفل ظهر فجأة أمامه لا يعاقب عن جريمة إتلاف مقصودة ، لتعرض غيره لخطر جسيم على حياته وهو الطفل . والخطر يجب أن يهدد النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله . والمقصود بالنفس ، كافة الحقوق اللصيقة بالإنسان والتي لا تدخل في التعامل فتشمل الحياة والجسد والحرية والعرض والشرف والاعتبار . فلا عقاب على من يُغلق عليه الباب بقوة غالبة أو حادث مفاجئ فلا يجد وسيلة تخلصه من حجز حريته سوى كسر الباب . أما المال فيشمل كل الحقوق المالية ذات القيمة الاقتصادية ، والتي تدخل في دائرة التعامل . ومثال ذلك أن تشب النار في منزل شخص فيضطر لإخمادها أن يتلف خزان المياه لجاره ويأخذ منه الماء . ثانياً – أن يكون الخطر محدقاً : الخطر المحدق هو الخطر الحالّ ، ومعنى ذلك أن يكون الخطر واقعاً لا محالة إن لم يسارع الفاعل إلى تجنبّه دون إبطاء . ويعد الخطر حالاًّ في إحدى صورتين : إذا كان الاعتداء المهدد به على وشك الوقوع ، أو إذا كان الاعتداء قد بدأ ولكن لم ينته بعد . ويكون الخطر غير حالّ في إحدى صورتين : إذا كان الاعتداء المهدد به مستقبلاً ، أوإذا كان الاعتداء قد تحقق فعلاً وانتهى . حيث أنه في الخطر غير الحالّ هناك فسحة من الوقت تسمح باتخاذ اللازم لتوقيه بوسائل أخرى دون اللجوء إلى ارتكاب الجريمة . فحالة الضرورة تقوم على دفع الخطر ، وزوال الخطر يزيل حالة الضرورة . ثالثاً – ألا يكون لإرادة الفاعل دخل في خلق حالة الضرورة : يعني هذا الشرط أن إرادة المتهم لم يكن لها دخل في نشوء الخطر الحالّ الذي دفعه إلى ارتكاب جريمة الضرورة . ذلك أن الاضطرار يفترض المفاجأة ، ولا تتحقق المفاجأة إلاّ إذا توافر أمرين : عدم العلم المسبق بالخطر وعدم اتجاه الإرادة إليه . وهذه المفاجأة هي التي تؤثر في حرية الاختيار ، لأنها لا تترك لدى المضطر فسحة من الوقت يتدبر فيها أمره في سبيل الخلاص من الخطر الحالّ ويتولد عنها ( الاضطرار ) الذي يدفع إلى ارتكاب جريمة الضرورة . أما إذا كان المدعى عليه قد سبّب الخطر قصداً ، فمعنى ذلك أنه توقع الخطر ، ومن المفروض فيه أنه أعد العدة لتجنبه على نحو لا يمس الغير في أنفسهم أو في أموالهم . فالذي يضرم النار قصداً في مسرح ، ثم يقتل طفلاً وهو مسرع لينجو بنفسه لا يعد في حالة ضرورة . والذي يغرق سفينة قصداً ثم يضطر لإنقاذ نفسه إلى قتل شخص فلا يعد أيضاً في حالة ضرورة . وينبني على ذلك أن المدعى عليه إذا تسبب بإحداث الخطر خطأ ، ثم تجنبه بفعل جرمي ، فإنه يستفيد من حالة الضرورة . وذلك لأن الخطأ لا يلغي عنصر المفاجأة ، ولا يفترض فيه أن يكون المدعى عليه قد تدبر مسبقاً طريق الخلاص من الخطر . ومثال ذلك من يتسبب بأهماله في حدوث حريق داخل قاعة الاجتماع ثم يحاول النجاة بنفسه فيخرج مسرعاً ويتسبب بقتل أو أصابة أخر أثناء خروجه. رابعاً – أن يتعذر دفع الخطر بوسيلة أخرى : لا نكون أمام حالة الضرورة إلاّ إذا كانت جريمة الضرورة هي الوسيلة الوحيدة للوقاية من الخطر الجسيم ، ولم يكن أمام المضطر أي وسيلة أخرى مشروعة أو طريقة أخرى لصد هذا الخطر وتوقيه . فإذا كان من الممكن دفع الخطر بالجرح أو الضرب فلا يجوز دفعه بإزهاق الروح ، وما يمكن دفعه بتضحية المال لا يجوز دفعه بتضحية النفس . وإذا كان الهرب وسيلة صالحة للتخلص من الخطر فلا يجوز دفع الخطر بغير ذلك . وذلك لأن حالة الضرورة لا يكون فيها معتدٍ ، حيث أن فعل المضطر يقع على بريء وليس على معتدي دائماً . ومن الأمثلة على دفع الخطر بوسيلة أخرى ، طالب الطب الذي يجري عملية جراحية لمريض وكان بوسعه أن ينقله إلى مستشفى أو إلى طبيب مختص . أو من يندفع نحو باب مزدحم ويدهس طفلاً أثناء فراره من الحريق الذي شب في السينما وكان يعلم أنه كان يستطيع النجاة عن طريق باب خلفي . وقد صدر عن محكمة النقض السورية قرار في هذا المجال يقضي بمايلي: (يشترط في خالة الضرورة التي تسقط المسؤولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به , وعليه فإن فرار الطاعن من مركز الشرطة لايسيغ له أن ينطلق في الطريق فيدفع المارين تلك الدفعة التي ألقت بالمجني عليه في طريق السيارة) وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض أن حالة الضرورة لاتتيح للإنسان أن يرتكب جرماً ثم يدفع رشوة للتخلص منه. خامساً – أن يكون الفعل متناسباً مع الخطر : إن الضرورة تقدر بقدرها ، فلا يجوز للمدعى عليه أن يأتي فعلاً أشد جسامة مما يكفي لدرء الخطر ، إذ يخرج ذلك الفعل عن نطاق الضرورة . فمن استطاع دفع الخطر بجريمة ضد المال ويرتكب في سبيل ذلك جريمة ضد النفس لا يتوفر بالنسبة له شرط التناسب ويسأل عن التجاوز ، ومن يستطيع تفادي الخطر بجريمة تقع على نفس واحدة ويرتكب في سبيل ذلك جريمة تؤدي إلى إيذاء أكثر من نفس يسأل أيضاً لعدم توافر التناسب . فربان السفينة الذي كان يستطيع إنقاذ ركاب السفينة عن طريق إلقاء جزء من البضائع ولكنه بدلاً من ذلك يلقي بعض ركابها في البحر ، يسأل عن ذلك . ولا يستفيد من حالة الضرورة . سادساً – ألا يكون هناك واجب قانوني بتحمل الخطر أو مواجهته : حيث يفرض القانون على بعض الأشخاص واجب التعرض للخطر . ومثال ذلك الجندي في المعركة ، ورجال الإطفاء في مواجهة الخطورة الناشئة عن مكافحة الحريق ورجال الشرطة في مواجهة الخطورة الناشئة عن مكافحة المجرمين . فهؤلاء الاشخاص مكلفون بحكم وظائفهم على مواجهة اخطار معينة وإنقاذ غيرهم من اثارها ولهذا لا يقبل منهم التملص من تلك الواجبات تحت ستار حالة الضرورة . المبحث الثالث : آثار حالة الضرورة هذه الآثار تتمثل في امتناع العقاب مع إمكانية الحكم بتعويض مدني . ولكي تترتب آثار حالة الضرورة يجب أن يثبت أولاً توافر الشروط اللازمة لتحقيقها ، وعلى أساس هذه الآثار يمكن تحديد طبيعة حالة الضرورة . أولاً – إثبات حالة الضرورة : القول بتوافر شروط حالة الضرورة من اختصاص قاضي الموضوع الذي يستخلص من عناصر الدعوى توفر هذه الشروط ضمن حدود سلطته التقديرية . فقد قضت محكمة النقض في قرار لها بأن تقدير الوقائع الؤدية لقيام حالة الضرورة أو عدم قيامها من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها . والدفع بحالة الضرورة من الدفوع الجوهرية التي يلتزم القاضي بالرد عليها تبين من محاضر جلسات المحكمة أنه لم وإلا كانت سبب من أسباب النقض ، ,إذا يتم الدفع بوجود حالة الضرورة ، فإنه يمتنع إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض . ويجوز للقاضي من تلقاء نفسه أن يعتبر حالة الضرورة متوافرة ، وذلك لأنه يلتزم قبل إدانة المتهم أن يتحقق من توافر كل أركان الجريمة وشروط المسؤولية عنها . ثانياً – امتناع العقاب : إذا توافرت شروط حالة الضرورة ، فلا عقاب على من دفعته الضرورة على فعله ( م 228 من قانون العقوبات ) . ويستفيد من هذا الحكم الشريك والمتدخل ، شريطة أن تتوافر شروط حالة الضرورة فيهم . ويستثني المشرع السوري من هذا الحكم من توجب عليه قانوناً أن يتعرض للخطر. فقد نصت المادة (229 ) على أنه// لايعتبر في حالة ضرورة من يتوجب عليه قانوناً أن يتعرض للخطر// كالجندي ورجل الأمن ، ورجل الإطفاء ، والمكلف بالحراسة. وأساس هذا الاستثناء أن الأشخاص المذكورين ملزمون بموجب القانون بواجب تعرضهم للخطر ، وعلمهم بهذا الواجب يلغي عنصر المفاجأة ، فلا تتكون لديهم الحالة النفسية التي يفترض وجودها في الشخص الذي يواجهه خطر جسيم ومحدق ، والتي تبنى عليه حالة الضرورة . وامتناع عقاب مرتكب جريمة الضرورة لا يحول دون إلزامه بالتعويض عن الضرر الذي نجم عنها والذي أصاب إنساناً بريئاً لم يقع منه ما يستوجب إنزال هذا الأذى به . ثالثاً – التكييف القانوني لحالة الضرورة : اختلفت الآراء في تعليل انتفاء المسؤولية في حالة الضرورة . فذهب رأي إلى تعليل ذلك بالعودة إلى القانون الطبيعي ، وهذا القانون يسمح لكل شخص بأن يحمي مصالحه ، ولو كان السبيل إلى ذلك هو المساس بمصالح غيره ، وتفسير هذه العودة أن القانون الوضعي أعد ليطبق في الظروف العادية ، فإذا عرضت ظروف شاذة – كالوضع في حالة الضرورة – تنحى عن مكانه للقانون الطبيعي . هذا الرأي يعيبه أنه يقوم على مجاز ، فالقانون الوضعي في مجتمع منظم يحكم كل ظروفه سواءً أكانت عادية أم شاذة ، ثم أنه لا محل للاحتكام إلى القانون الطبيعي في موضوع نظمه القانون الوضعي بنص صريح . وذهب رأي إلى القول بفكرة الإكراه المعنوي ، فمن يوجد في حالة ضرورة هو مكره على الفعل الذي يخلصه منها ، وهذا الرأي منتقد : فحالة الضرورة لا تفرض على من يوجد فيها فعلاً بعينه ، إنما عليه أن يتصور وسيلة الخلاص منها ويتخير الفعل الذي يقدر أنه سبيل الخلاص من الخطر المهدد به ، ثم إن هذا الرأي غير صحيح حينما يكون المهدد بالخطر شخصاً غير من ارتكب الفعل ، كالطبيب الذي يقضي على الجنين إنقاذاً للأم في ولادة عسيرة ، إذ أنه لا يصدق على الطبيب أنه خاضع للإكراه . ويرى فريق من الفقهاء أن علة امتناع المسؤولية هي ( التنازع بين المصالح ) وتفضيل إحداها : فثمة تعارض بين صنفين أو مصلحتين بحيث لا يمكن إنقاذ أحدهما إلاّ بإهدار الآخر . ويعيب هذا الرأي أن الاستناد إلى فكرة (التنازع بين المصالح) يؤدي إلى اعتبار الضرورة سبب تبرير ، إذ أن إهدار حق قليل القيمة في سبيل صيانة حق أكثر قيمة هو رعاية لحقوق المجتمع في مجموعها ، وهذا التكييف يناقض خطة الشارع التي تعتبر الضرورة مانع مسؤولية . ويذهب رأي إلى تعليل امتناع المسؤولية بعدم جدوى العقاب للمجتمع ، فإذا كان المدعى عليه قد ضحى بحق قليل الأهمية في سبيل صيانة حق أكثر أهمية ، ففعله ذو منفعة للمجتمع فلا وجه للعقاب عليه ، وإذا كان الحقان متساويان فلا جدوى من العقاب لأنه قد أحاطت بالمدعى عليه ظروف استثنائية دفعته إلى الفعل، فهو ليس في الظروف العادية خطراً حتى تستهدف العقوبة إصلاحه . وهذا الرأي يصور حالة الضرورة على أنها عذر محل ، إذ يدور بحثه حول القول بأن مصلحة المجتمع في عدم العقاب ترجح على مصلحته في العقاب ، وهي العلة التي تستند إليها الأعذار المحلة ، وهو بذلك لا يتفق مع خطة الشارع التي اعتبرت الضرورة مانع مسؤولية . وقد ذهبت محكمة النقض في سوريا في حكم قديم لها إلى اعتبار حالة الضرورة مرتكزة على فكرة الإكراه المعنوي . وكان موضوع الدعوى أماً سرقت الطعام من بيت سلفتها لتطعم أطفالها الجائعين . إلا أنه بعد صدور قانون العقوبات عام /1949/ ميز المشرع السوري بين الإكراه المعنوي وحالة الضرورة ، وذلك بالنص على حالة الضرورة بصورة مستقلة بالمادتين ( 228-229) من قانون العقوبات ، واعتبرها مانع من موانع المسؤولية الجزائية . رابعاً : التمييز بين الإكراه المعنوي وحالة الضرورة يميز الفقه بين حالة الضرورة وبين حالة الإكراه المعنوي من النواحي التالية : 1 - من حيث المصدر : فمصدر الإكراه المعنوي دائماً قوة إنسانية ، أي تصدر عن إنسان ، بينما مصدر ظرف الضرورة قد يكون الإنسان أو عمل السلطة أو قوة الطبيعة . 2 - من حيث مدى حرية الاختيار : فتلك الحرية تكاد تكون منعدمة في الإكراه المعنوي حيث لا يوجد أمام المكره معنوياً من سبيل سوى تنفيذ السلوك المطلوب منه وإلاّ تعرض للخطر المهدد به . بينما في حالة الضرورة لا يجد المضطر نفسه أمام سبيل واحد يتعين عليه أن يطرقه ، بل يكون أمامه مسافة أو فسحة للاختيار بين طريقين أو أكثر يعبّر كل منهما عن مصلحة معينة تتعارض مع المصلحة أو المصالح الأخرى ، وكان عليه أن يوازن بينهما ولكنه يضطر إلى اختيار طريق ارتكاب الجريمة لأنه يتصوره المنفذ الوحيد للخلاص عما هو فيه . 3 - من حيث الهدف من ارتكاب الجريمة : فالمكره معنوياً يرتكب الجريمة بهدف تفادي ضرر يهدده شخصياً في نفسه أو في شخص عزيز عليه ، بينما جريمة الضرورة قد يهدف بها مرتكبها إلى تفادي ضرر لا يهدده شخصياً وإنما يهدد الغير . المبحث الرابع : الوضع التطبيقي لحالة الضرورة مما لا شك فيه ، أن حالات الضرورة متعددة ومتنوعة ، ومجالاتها واسعة وشاملة ، بحسب الظروف والملابسات التي قد تعترض الإنسان في حياته . وقد حمل تاريخ الإنسانية عبر العصور الغابرة إلى أيامنا الحاضرة صدى المآسي والفواجع والكوارث والويلات التي كانت تنتاب الكيانات البشرية من وقت لآخر ، سواءً كان مصدرها الطبيعة كالزلازل والفيضانات ، أو التصرفات البشرية من حروب وفتن واضطرابات . أو سنوات القحط والمجاعة ، فيخيم شبح الموت على ظلال الحياة ، فإذا بغريزة البقاء تتدافع لدى من يسعون إلى العيش اضطراراً ، ولو كان على حساب إزهاق النفوس البريئة . لذلك على سبيل الذكرى سنذكر بعض الحوادث التاريخية التي تبرز فيها حالة الضرورة : 1 – حالة القاطرة البحرية لامادوز : بتاريخ 2/7/1816 كانت القاطرة البحرية العسكرية الفرنسية تنقل على متنها أكثر من أربعمائة جندي وبحار عندما جنحت وغرقت في عرض البحر ، ولم تتمكن قوارب النجاة القليلة من إنقاذ سوى عدد ضئيل من الركاب ، فاصطنع الباقون من أخشاب الباخرة لوحة عائمة كبيرة اعتلاها حوالي مائة وخمسون شخصاً في غياهب الأوقيانوس دون زاد ولا ماء تحت الشمس المحرقة ، فدبّت المجاعة الجماعية في هذه القافلة البشرية ، فأخذ الناجون يتآكلون لدرجة أنه عندما تم العثور على اللوحة وانتشال من تبقى من الأشخاص على قيد الحياة ، لم يتجاوز هؤلاء خمسة عشر إنساناً على الرمق الأخير ، واعترفوا أمام لجنة التحقيق العسكرية بإقدامهم على افتراس بعض قطع من أجساد رفاقهم وهم أحياء فلم يقدم أحد منهم إلى المحاكمة ، بل حفظت القضية بحقهم دون متابعتها لعلة حالة الضرورة . 2 – حادثة اليخت الإنكليزي (Lamignonette ) في عام 1884 غرق اليخت البريطاني الضخم فنجا من ركابه على زورق صغير ثلاثة رجال وملاح حدث . وبعد أن تاهوا في البحر ثمانية أيام ونفذ الطعام والشراب أقدم الرجال على قتل الحدث وتقطيعه إرباً وأكل لحمه ، وصدف أن أنقذتهم بارجة حربية بعد أربعة أيام من ذلك 3 – حادثة الباخرة تايتنك (Titanic. والتي غرقت في عرض الأقيانوس في اصطدامها بجبل ثلجي عائم ليل 15/4/1912 بينما كان ركابها يقيمون حفلة دينية على متنها ، وقد هلك في هذا الحادث أكثر من ألف وخمسمائة شخصاً بسبب تهافتهم دون تنظيم على إنزال قوارب النجاة والاقتتال في سبيل الاستئثار بها، وقذف بعضهم بعضاً إلى عرض البحر ، ولم ينقذ لهذا السبب سوى العدد الضئيل من المسافرين الذين كانوا من جميع الجنسيات العالمية بسبب دعوة رسمية . 4 – القضية المعروفة ( La femme Menard ) في الربع الأخير من القرن التاسع عشر شغلت الأوساط الحقوقية هذه القضية عندما أقدمت هذه المرأة على سرقة كمية من الخبز ليلاً من فرن مجاور لمنزلها تكفي لإعالة أولادها الذين نال منهم الجوع وذلك لوقعة عشاء فحسب ، وقد أصدر أحد القضاة المغمورين الشهرة آنذاك المدعو ماجن أند حكماً بإعلان براءة المدعى عليها مما أسند إليها ، وقد أثارت هذه القضية عاصفة من العطف الشعبي على القاضي المذكور الذي لقب بالقاضي الطيب . وقد صدق هذا القرار استئنافاً من قبل المحكمة العليا . خاتمة : حالة الضرورة وجدت بوجود الإنسان وارتبطت به ، وذلك نتيجة لغريزة البقاء والحفاظ على الملك . فأخذت بها أغلب التشريعات الجزائية القديمة ، ونصت عليها التشريعات الحديثة بنصوص صريحة . ومنها المشرع السوري ، حيث نص عليها في المادة (228) وميز بينها وبين الإكراه المعنوي ، واعتبرها مانع من موانع المسؤولية الجزائية في حال توفر شروطها فلا عقاب على من دفعته حالة الضرورة إاى ارتكاب الجرم ، إلا أن المشرع السوري استثنى من هذا الحكم من توجب عليه قانوناأ ان يتعرض للخطر وذلك بموجب نص المادة (229) من قانون العقوبات . إلاّ أن حالة الضرورة على الرغم من أهميتها ، يمكن أن تكون ملاذاً للمجرمين للتخلص من العقاب ، وذلك من خلال ادعاء حالة الضرورة ، ومحاولة إثبات تحققها . لذلك لا بد من ا لتشدد في تطبيق حالة الضرورة ، وأن لا يتم الأخذ بها إلاّ في الحالات التي يتم إثباتها بشكل قاطع ويقيني | |
|